المفاوضات في عرض المحيط (لغز السيادة المفقودة)

تابعنا على:   16:13 2023-05-26

بكر نعالوة

أمد/ قد تبدوا بعض الشيء العلاقات الإيرانية العربية الوليدة إحتفالية متفائلة تعكس طابع الهوس و المرارة السيادية التي يفتقدها النظام السياسي العربي نتاج البنية التحتية السياسية و الأمنية و الاقتصادية التي ولدت مع إتفاقية (البترودولار ) .

ربما يستطيع ولي العهد السعودي أن يستفيد مرحليا من محاولاته تجنيب المملكة الدخول في أي صراعات قائمة و محتملة ، و التركيز المكثف على التحول الاقتصادي الطموح الذي تسعى المملكة أن تحجز مكانتها من خلاله ، و المناورة ضمن الظروف المستحدثة مع تخبط سياسات إدارة جو بايدن .

لكنها فقط مناورة مرحلية متفائلة لن تصل إلى حد التقاطع في الخطوط الرئيسية ، لأن المملكة بطبيعة الحال تفهم جيدا أهمية الدور الأمريكي في المنطقة خصوصا في الجانب الإستخباري و تغذية الصراعات ، و أن الرغبة المرحلية في الإنسحاب لن تشمل تلك الجوانب و الإلتزام الأمريكي الصريح إتجاه أمن إسرائيل .

الأهم في تلك الجولة أن أي من الأقطاب المتحمسة و تحديدا الصين و التي تحاول إعادة مأسسة الشرق الأوسط بما يتلائم مع أمنها في مجال الطاقة و طموحاتها القطبية و خططها  الجيو إستراتيجية من حيث التكامل الاقتصادي الذي ينتهي بتحالفات سياسية و أمنية تقود الطريق نحو تتويجها قوة عالمية موازية ، مما يضع على كاهلها إلتزامات كبيرة  في تلك المنطقة و طريق الحرير عموما الذي يجب أن تتكفل الصين بضمان إستقراره الأمني و السياسي.

الصين تدرك جيدا أنها لم تحقق إنتصار على الولايات المتحدة في إطار دعمها التحولات السياسية الجديدة في الخليج العربي و الشرق الأوسط عموما ، فهي تعي جيدا بأنها جلبت لنفسها المزيد من المتاعب و المسؤوليات خارج نطاق حدودها التي يشوبها الحذر و الترقب و عمليات التسلح المتسارعة لدول الجوار و إنتقال القوات الأمريكية لمحيط الصين  تاركة تلك  المناطق التي يتوجب على الصين حماية أمنها و استقرارها بدلا منها  .

تحاول الصين البحث في أزمات تلك الدول عن الكثير من الفرص و المصالح المشتركة ، نحو عقيدة جديدة من العلاقات البينية القائمة على تبادل المصالح و تفكيك الأزمات الداخلية لتلك الدول .

و تلك الإستجابة لا زالت في طور الإختبار ، و سيتعين على الصين ما هو أكثر من الرعاية (( الحماية )) و إدراك العقبات التي قد تحدث فجأة و تفجر العراقيل في وجه تلك الخطوات . فالولايات المتحدة و إسرائيل لا زالتا تملكان أوراق اللعبة المخابراتية و لديهما قدرة كبيرة على صناعة أحداث مربكة لعامل الثقة الذي لم ينضج بعد .

لكن يجب أن ندرك سعي الولايات المتحدة الحثيث نحو تطبيع العلاقات بين المملكة و إسرائيل ، وهو الأمر الذي يصب في مصلحة الديمقراطيين و الرئيس بايدن بشكل مباشر في الإنتخابات المقبلة ، لكنه أيضا يخدم الجهود التي سعت إليها الولايات المتحدة مبكرا في إنضاج فكرة بروتوكول إداري مرحلي للمنطقة يخلف عملية انسحابها من المنطقة و تقوده إسرائيل بشكل أساسي و تشاركي مع الدول العربية .

نتنياهو أيضا حاول مرارا و تكرارا لقاء ولي العهد و إقناعه بالتطبيع مع إسرائيل ، حيث يريد نتنياهو تفنيد فشله أمام المعارضة التي اتهمت حكومته بالعبث الداخلي و الانشغال عن القضايا الإقليمية والأمن القومي و تحقيق إنتصار قد يجنبه سيناريو دخول حرب كبيرة مع إيران و أذرعها ، و يستطيع الحفاظ على إستمرارية حكومته و تسويق سياساتها وشخصه المغرور بوصفه ملك إسرائيل كما إدعى في عهد ترامب حيال شعوره بالفخر الذي حققه من تطبيع الدول العربية (( إتفاقيات أبراهام )) .

جائت مطالب السعودية للتطبيع مع إسرائيل على النحو التالي : 

١_ الحصول على برنامج نووي سلمي (( لكنه في الواقع عسكري )) .

٢_ الحصول على ذات التسليح الذي تحظى به إسرائيل دون قيود أو عوائق مزاجية .

٣_ توقيع إتفاقية دفاع مشترك بين المملكة و الولايات المتحدة .

٤_ إنسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة و إقامة دولة للفلسطينيين .

هي مطالب عائمة و قابلة للتفاوض ، و تأتي في غضون مناورة ظرفية تستغل الحاجة الملحة لكلا الطرفين الإسرائيلي و الأمريكي (( بايدن ، نتنياهو )) من أجل تحقيق إنتصار يذكر لكليهما ، إلى جانب أهمية ملاحقة التحولات في المنطقة مع الأخذ بعين الإعتبار أن الدول أصبحت أكثر نضجا في التعاطي مع مصالحها .

أعتقد أن نتنياهو سوف يقبل و يدعم مطالب المملكة بعد التفاوض عليها ، لأن الخوف غالبا لا يأتي من الدول التي تولي التحديات الاقتصادية جانبا كبيرا من الإهتمام و تكون دوافعها غالبا لسباق التسلح آتية من حرصها على تجنب سلوكيات الإبتزاز المحتملة .

لكن ترى ما هو شكل التفاوض الذي سوف يقبله نتنياهو لتمرير تلك الطلبات و القبول بها : 

١_ مسألة الدولة الفلسطينية على حدود ال ٦٧ هي أصعب المطالب المعقدة التي لن يقبل بها نتنياهو و حكومة الترويكا الدينية  ، لكنه لن يمانع  إقامة تجربة فلسطينية محدودة تعطي إنطباع السلام و مظاهر الدولة بعد إجراء عملية جراحية معقدة تستأصل الشركاء السابقين وتهيء الظروف للشركاء الجدد و تعمل على  إنهاء  المعيقات  والدفع نحو رخاء اقتصادي يستهدف التأثير بالعقلية و تغيير بعض المظاهر مثل : المخيمات و استبدالها بمدن حضرية ، و الحرص على إنتاج سلطة حاكمة بمرجعية إدارية بحته خالية من الدسم السياسي (( هذا يتعلق بالضفة غالبا غزة لها ترتيب مختلف نتحدث عنه لاحقا ))  .

٢_ ربما تتقبل إسرائيل فكرة إمتلاك المملكة مفاعل نووي سلمي أو حتى عسكري ، لكن شريطة أن يكون هذا المفاعل تحت إشراف و إدارة كل من الولايات المتحدة و إسرائيل ، ليس خوفا من المملكة بل مرونة في تحقيق نقطة إختراق للأمن القومي الإيراني ونقل إسرائيل خطوطها الدفاعية إلى جانب إيران كما فعلت الأخيرة .

٣_ ربما تكون مسألة الحصول على التسليح دون قيود أو عوائق هي من المسائل البسيطة التي يمكن التفاهم عليها بسهولة مع إسرائيل لكن الأمر يحتاج أيضا إلى موافقة أمريكية وهو ما سوف يتطلب تقديم تنازلات كبيرة على صعيد حقوق الإنسان و إصلاحات في الحياة السياسية .

٤_ في الترتيب الأخير لن تعارض الولايات المتحدة توقيع إتفاقية دفاع مشترك مع المملكة بعد الإتفاق على البنود الثلاث السابقة لكنها سوف تشترط أن تكون تلك الإتفاقية ثلاثية و ليست ثنائية و تطلب أن تكون إسرائيل طرفا فيها .

كلمات دلالية

اخر الأخبار